الحق في العمل بقطاع غزة بين حصار دائم وقيود لا تنتهي

مقدمة:

يُعد الحق في العمل أحد أهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للإنسان، وهو يُعنى بتوفير فرصة عمل لكل شخص قادر على العمل، وضمان ظروف عمل عادلة ومُرضية، ويعتبر الحق في العمل حقًا أساسيًا وضروريًا لإعمال وتحقيق طيف واسع من حقوق الإنسان الأخرى ولا سيما حق البشر في التمتع بمستوى معيشي لآئق، وهو جزء لا يتجزأ من كرامة الإنسان ومتأصل فيها، فبدون الحق في العمل، لا يتمكن الناس من تلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل الغذاء والمأوى والملبس وغيرها من المتطلبات الإنسانية التي تتطلبها الحياة الكريمة. وفي الواقع، نصت العديد من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على ضرورة إعمال الحق في العمل لجميع البشر، ولا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي نصت المادة رقم 23 منه على أن “لكل شخص الحق في العمل، وفى حرية اختيار عمله، وفى شروط عمل عادلة ومرضية، وفى الحماية من البطالة”، هذا بالإضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي نص في المادة رقم 6 منه على أن لكل فرد الحق في العمل، والذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره بحرية.

وثمة صلة وثيقة تربط بين الحق في العمل من جهة والحق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية والحقوق النقابية ذات الصلة من جهة ثانية. لذلك ينبغي للدول أن تلتزم بكفالة الأجور العادلة، واحترام مبدأ الأجر المتساوي مقابل العمل المتساوي القيمة، والمساواة في الأجور عن عمل ذي قيمة متساوية. كما ينبغي ضمان حصول العمال على الحد الأدنى للأجور الذي يكفي لتأمين مستوى معيشي لائق لهم ولأسرهم. علاوة على ذلك، لا بدّ أن يتمتع العاملون بظروف عمل آمنة وصحية لا تمس الكرامة الإنسانية. ويجب تحديد عدد ساعات معقول من العمل للموظفين إلى جانب تمتعهم بالراحة وأوقات الفراغ والحصول على إجازات دورية مدفوعة الأجر.

وعلى الرغم من إن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان قد كفلت الحق في العمل لجميع الأفراد دونما تمييز بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. مع ذلك، لا زال الحق في الحصول على العمل والحماية من البطالة يواجه انتهاكات واسعة النطاق في العديد من الدول حول العالم، ففي قطاع غزة على سبيل المثال، تسببت الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة فضلًا عن الحصار والقيود التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على حركة البضائع والأفراد من وإلى قطاع غزة منذ ما يقرب من 16 عامًا في ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، فوفقًا لأحدث الإحصائيات الرسمية التي حصلت عليها مؤسسة ماعت في هذا السياق، فقد بلغ معدل البطالة في قطاع غزة بفعل الحصار والقيود المفروضة من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلي نحو 46 في المائة، الأمر الذي يجعل معدل البطالة في قطاع غزة المحاصر من بين أعلى المستويات في العالم.

وفي إطار حملة 30 x 50)) حقوق الإنسان للجميع التي تطلقها مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان للتوعية بمواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتزامنًا مع موجة العنف المنهجي الذي شرعت فيه قوات الإحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تقدم مؤسسة ماعت هذا التقرير الذي يركز علي إعمال المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الخاصة بـالحق في العمل والحماية من البطالة، وذلك بالتركيز بشكل خاص على تأثير الحصار والقيود التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الحق في العمل في قطاع غزة، وفي ضوء ما سبق، تتناول مؤسسة ماعت في محوريين أساسيين، يركز المحور الأول منها على الحق في العمل في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، في حين يركز المحور الثاني منها على تأثير الحصار على الحق في العمل في قطاع غزة، وهو ما سوف نتناوله تفصيلًا في المحورين الذين يتناولهما التقرير.

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية