التعهدات المنسية إعادة توطين اللاجئين في عالم متعدد الأزمات

مقدمة:

يمثل إعادة التوطين فرصة ضرورية لا غني عنها لصالح اللاجئين الهاربين من مخاطر النزاعات المسلحة والعنف ولم يجدوا في الدول المضيفة ملاذًا آمنًا، وتفضي هذه العملية إلى حل دائم للاجئين في بلد ثالث للاجئين غير القادرين على الاندماج محليًا أو العودة إلى وطنهم الأم. وتسمح إعادة التوطين للاجئين بدخول دولة ثالثة بشكل قانوني وآمن. تتضمن إعادة التوطين اختيار اللاجئين ونقلهم من الدولة التي طلبوا فيها الحماية إلى دولة أخرى تقبلهم كلاجئين يحظون بوضع الإقامة الدائمة. بيد إنه لا يوجد سوى عدد قليل من الأماكن المتاحة لإعادة التوطين. وتحدد كل دولة بشكل مستقل عدد أماكن إعادة التوطين والدول التي تستقبل اللاجئين منها. وفي كل عام، يتجاوز عدد الأشخاص الذين يرغبون في إعادة التوطين الأماكن المتاحة بشكل كبير للغاية. ورغم إن إعادة التوطين ليس حقًا وليس متاحًا لكل شخص مُنح وضع اللاجئ. فإن الدول مرتفعة الدخل تعهدت في السنوات الماضية بخطط لإعادة توطين اللاجئين لديها ومنحهم الحماية بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ولتنفيذ الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين. ومع ذلك لم تفي هذه الدول بوعودها، وظلت هناك فجوة بين احتياجات إعادة التوطين التي تقدرها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبين التزامات الدول التي تتعهد بإعادة التوطين. ففي عام 2022 قبلت 24 دولة فقط من الدول الأعضاء طلبات إعادة توطين اللاجئين من لاجئين من 84 دولة وفي الوقت الذي كان هناك 1.5 مليون لاجئ في حاجة إلى إعادة التوطين لم يعاد توطين إلا 7% منهم. وقدرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين احتياجات إعادة التوطين العالمية في عام 2024 بنحو 2.4 مليون لاجئ ومع مرور أكثر من 90 يومًا تسير عمليات إعادة التوطين بوتيرة بطيئة للغاية. وبحسب البيانات المتاحة فإن ثمة ارتفاع قياسي في احتياجات إعادة التوطين العالمية عاما بعد الأخر، ففي عام 2023 قدرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين احتياجات إعادة التوطين العالمية بأكثر من 2 مليون، وهو زيادة عن نفس الاحتياجات العالمية لإعادة التوطين التي قدرت بنحو 1.4 مليون في عام 2022. وتمثل إحصائيات 2023 زيادة بنسبة 36 % مقارنة بالاحتياجات الخاصة بإعادة التوطين في عام 2022.

وتعد إعادة التوطين بمثابة عملية مٌفيدة للاجئين فهي تمنحهم فرصة أخري للحصول على مستوي معيشي لائق بما في ذلك سكن لائق، والاندماج في مجتمعات تعترف بحقوقهم، وبالنسبة للدول فإن إعادة التوطين فرصة لإظهار التضامن الدولي مع الدول والأشخاص الآخرين الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية، وبالنسبة للمجتمعات المستقبلة، تسمح إعادة التوطين بالاستقبال والدمج الفعالين للاجئين المعترف بهم. غالبًا ما يزدهر اللاجئون ويساهمون بشكل واسع في مجتمعاتهم، وبناء أسرهم، والحصول على الجنسية. وثمة ثلاثة حلول تقليدية عملت عليه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ناحية اللاجئين، وهي أما العودة الطوعية للدول الأصلية أو الاندماج في بلد اللجوء أو إعادة التوطين في دولة ثالثة، ومن منطلق تقاسم المسؤولية ناحية اللاجئين تعهدت الدول مرتفعة الدخل بقبول أعداد من اللاجئين من خلال برامج إعادة التوطين مع ذلك تظل هناك فجوة بين الاحتياجات العالمية الذي تقدرها المفوضية وبين الواقع على الأرض، فعلي سبيل المثال؛ تعهدت الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي بإعادة توطين أكثر من 20 ألف لاجئ في عام 2022[3]. ومع ذلك، تمت إعادة توطين أكثر من 16 ألف شخص فقط في النهاية وحتى هذه التعهدات وإن نفذت بشكل كامل فهي لا تغطي احتياجات إعادة التوطين العالمية فعلي سبيل المثال؛ فإن اللاجئين الذين أعيد توطينهم في دول الاتحاد الأوروبي في عام 2022 يمثلون 1.1% فقط من احتياجات إعادة التوطين على المستوي العالمي. وفي الولايات المتحدة لم تعود عمليات إعادة التوطين إلي ما كانت عليه قبل عام 2017 ولم تصل للمتوسط السنوي لعمليات إعادة التوطين وظلت الولايات المتحدة في السنوات الثلاثة الأخيرة بعيدة عن إعادة 70 ألف لاجئ سنويا وهو متوسط إعادة التوطين في الولايات المتحدة.

يبقى توفير فرصة إعادة التوطين آلية حاسمة لضمان حماية الأشخاص الأكثر تعرضاً للخطر أو من ذوي الاحتياجات المحددة والتي لا يمكن تحقيقها في البلد الذي طلبوا فيه الحماية. ويوجد ست معايير للاجئين الذين يتاح لهم التقديم في برامج إعادة التوطين وهم النساء المعرضات للخطر؛ الأطفال المعرضون للخطر؛ الناجون من العنف والتعذيب؛ الأفراد المعرضون لمخاطر أمنية؛ والأفراد المعرضون لخطر الاضطهاد؛ والأفراد ذوي الحالات الطبية الحرجة.

وثمة مبادرات مبتكرة وحلول اضافية لتعزيز نظام إعادة التوطين مثل المسارات التكميلية وهي آلية يمكن للاجئين من خلالها الحصول على الحماية ولكنها تختلف عن عملية إعادة توطين اللاجئين الرسمية المخول بها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وعادة ما تنطوي على معايير قبول محددة، بصرف النظر عن وضع اللاجئ، والتي يجب على اللاجئين التمتع بها للوصول إليها. ويدخل ضمن المسارات التكميلية ثلاث فئات: المسارات الإنسانية، والمسارات القائمة على المهارات، والمسارات المجتمعية. قد تشمل المسارات التكميلية الإنسانية برامج القبول الإنساني، والتأشيرات الإنسانية، ولم شمل الأسرة. تشمل المسارات التكميلية القائمة على المهارات فرص الهجرة على أساس التوظيف أو التعليم، مثل الوظائف أو المنح الدراسية المقدمة للاجئين المؤهلين تأهيلا جيدا. أما المسارات التكميلية المجتمعية هي بمثابة مبادرات يمكن من خلالها للمواطنين أو المجموعات المجتمعية أو المنظمات غير الربحية رعاية اللاجئين بشكل فردي ولكن حتى هذه المسارات التكميلية والتي لا تعد بديلا عن برامج إعادة التوطين الحكومية لا تستقطب أعدادًا كبيرة من اللاجئين. دفع كل ما سبق مؤسسة ماعت لمحاولة تحليل تعهدات الدول مرتفعة الدخل والاقتصادات الكبري التي أبدت وعودهًا لصالح إعادة التوطين للخروج بنتائج وتوصيات لتعزيز برامج إعادة التوطين واستغلت مؤسسة ماعت إشارة المقرر الخاص المعني بالحق في السكن اللائق لمسألة “إعادة التوطين” لتطرح هذه المسألة الحاسمة. وتٌطلق مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان هذا التقرير على هامش الدورة 55 لمجلس حقوق الإنسان ويركز التقرير علي التعهدات التي أبدتها الدول لإعادة توطين اللاجئين ومدي تنفيذ هذه الدول لتعهداتهًا ويركز القسم الأول من التقرير علي التوزيع القطري والجغرافي لاحتياجات إعادة التوطين والقسم الثاني علي تعهدات الدول الاقتصادية العشرة الكبري في إعادة التوطين والقسم الثالث علي البعد الجنساني في عمليات إعادة التوطين بينما يركز القسم الرابع والأخير علي التحديات التي تواجه إعادة التوطين.


مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية