نظّمت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، بالتعاون مع مؤسسة “شركاء من أجل الشفافية”، حلقة نقاشية بعنوان: “تراجع الالتزام بمعاهدة تجارة الأسلحة على المستوى الدولي وتداعياته”، وذلك على هامش أعمال المؤتمر الحادي عشر لمعاهدة تجارة الأسلحة المنعقد في مقر الأمم المتحدة بجنيف خلال الفترة من 25 إلى 29 أغسطس 2025. وقد شهدت الفعالية حضوراً واسعاً من ممثلي البعثات الدبلوماسية وخبراء بارزين في قضايا ضبط الأسلحة وحقوق الإنسان.
شارك في النقاش كل من فهد أحمد، المستشار في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وسيمون كليوبوري، رئيس قسم ضبط الأسلحة ونزع السلاح في مركز جنيف لسياسات الأمن، ومانوبوني غريس، الباحثة في مجال حقوق الإنسان، إلى جانب مداخلة من محمد مختار، مدير وحدة القانون الدولي الإنساني ونزع السلاح بمؤسسة ماعت. وقد ركز النقاش على التحديات المتصاعدة التي تواجه المعاهدة، خاصة ما يتعلق بعدم التزام بعض الدول بالمواد الأساسية المنظمة لعمليات نقل الأسلحة، ومن بينها المادتان السادسة والسابعة اللتان تلزمان الدول الأطراف بوضع تدابير صارمة لمنع تصدير الأسلحة إلى أطراف قد تستخدمها في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان، فضلاً عن المادة الحادية عشرة الخاصة بمكافحة تحويل وجهة الأسلحة. كما تم التطرق إلى التراجع الملحوظ في معدلات تقديم التقارير السنوية المنصوص عليها في المادة الثالثة عشرة، الأمر الذي انعكس سلباً على مستوى الشفافية في تجارة الأسلحة على الصعيد الدولي.
وفي كلمته، أكد محمد مختار أن معاهدة تجارة الأسلحة، رغم كونها أداة دولية أساسية تهدف إلى تنظيم عمليات نقل الأسلحة ومنع وصولها إلى الأيادي الخطأ، تواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل استمرار تزويد أطراف نزاع في عدد من المناطق بالأسلحة رغم ارتكابها انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، وعلى رأسها تزويد قوات الاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة والمعدات التي تُستخدم في قتل المدنيين الفلسطينيين. وشدّد مختار على أن تراجع مستوى الشفافية في عمليات الإبلاغ عن نقل الأسلحة يمثل خطراً مباشراً على مصداقية المعاهدة وفعاليتها، داعياً إلى تحويل الأقوال إلى أفعال من خلال إجراءات عملية تشمل توفير الدعم الفني والقانوني للدول، وإشراك منظمات المجتمع المدني، وإعطاء الأولوية لأصوات المتضررين من العنف المسلح.
من جانبه، أشار فهد أحمد إلى أن عالمية المعاهدة لا تزال تمثل التحدي الأبرز أمام فعاليتها، موضحاً أن التصديق على المعاهدة لا يكفي وحده لضمان الالتزام، بل يتطلب إرادة سياسية حقيقية، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تحديات مركبة. وأضاف أن غياب الشفافية يفاقم من هذه الأزمة، حيث تتردد بعض الدول في تقديم تقاريرها الدورية، خاصة في أوقات النزاعات المسلحة، رغم أن الشفافية تعد عنصراً محورياً في بناء الثقة الدولية، على غرار ما هو معمول به في قضايا الأسلحة النووية.
أما سيمون كليوبوري فقد أكد أن تعزيز الوعي الدولي بالمعاهدة يمثل حاجة ملحة، مشيراً إلى أن مركز جنيف لسياسات الأمن يقدّم برامج تدريبية متخصصة لدعم هذا الهدف، من بينها دورة مجانية عبر الإنترنت بعنوان “مقدمة إلى معاهدة تجارة الأسلحة”، مع خطط لإطلاق نسخة فرنسية قريباً. كما اقترح إنشاء لوحة معلومات موحدة لرصد التطورات المتعلقة بالمعاهدة بشكل دوري، مؤكداً أن التكنولوجيا الحديثة يمكن أن تكون أداة فعالة لإحياء المعاهدة وتعزيز فعاليتها في السنوات القادمة.
وفي السياق ذاته، أوضحت مانوبوني غريس أن عملية الإبلاغ وتقديم التقارير من قبل الدول إلى أمانة معاهدة تجارة الأسلحة تُعد ركناً أساسياً لتحقيق أهدافها وتعزيز الشفافية. لكنها حذّرت من التراجع المقلق في معدلات الالتزام بهذه العملية، حيث لم تقدّم خمس وعشرون دولة حتى الآن تقاريرها الأولية، معظمها من الدول الأفريقية التي تشهد نزاعات مسلحة. وأضافت أن معدل تقديم التقارير السنوية انخفض بشكل مطرد من 87 في المائة في عام 2015 إلى 61 في المائة فقط في عام 2024، وهو أدنى مستوى منذ دخول المعاهدة حيز النفاذ.
وفي ختام الحلقة النقاشية، خلص المشاركون إلى مجموعة من التوصيات أبرزها ضرورة توفير الدعم الفني والقانوني للدول التي تواجه صعوبات في تطبيق المعاهدة، وخاصة في مناطق النزاعات المسلحة، بما يعزز قدرتها على تقييم المخاطر المرتبطة بنقل الأسلحة. كما دعوا إلى عقد ورش عمل وجلسات استشارية مع الدول التي تعاني من تحديات في مجال الإبلاغ، وبالأخص في القارة الأفريقية، لفهم الصعوبات التي تواجهها وتقديم حلول مخصصة. وتم التشديد كذلك على أهمية وضع استراتيجية طويلة الأجل لمعاهدة تجارة الأسلحة، بحيث تشكل خارطة طريق توجه عمل الدول الأطراف نحو تحقيق الأهداف الأساسية للمعاهدة على نحو أكثر فعالية.
وفي الأخير أكدت مؤسسة ماعت أن الالتزام بمعاهدة تجارة الأسلحة لا يجب أن يُنظر إليه باعتباره التزاماً قانونياً فحسب، بل مسؤولية إنسانية وأخلاقية تهدف إلى حماية المدنيين والتقليل من معاناة الشعوب التي تعيش تحت وطأة العنف المسلح.
shortlink: https://maatpeace.org/ar/?p=45379