في الوقت الذي تفيد فيه تقديرات إن أكثر من 60 من بين أثري وأغني 100 كيان اقتصادي في العالم هم من الشركات وليست من الدول، إلا إنه ليس هناك آلية تنٌظم عمل هذه الشركات وتأثير أنشطتها المحتملة على حقوق الإنسان والجماعات المختلفة. ونظرا لتزايد أنشطة الشركات عبر الوطنية والتبعات التي تٌخلفها هذه الأنشطة على حقوق الإنسان والتقدم صوب التنمية وتعطيل تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. أُنشئ الفريق العامل الحكومي الدولي المفتوح العضوية المعني بالشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال فيما يتعلق بحقوق الإنسان (يشار إليه فيما بعد بالفريق العامل) بموجب القرار 26/9 لعام 2014 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان من خلال عملية قادتها بعض الدول التي لديها رؤية تتعلق بتقاطع أنشطة الشركات عبر الوطنية مع انتهاكات الحقوق والحريات. وٌطلب من الفريق العامل مٌهمة محددة وهي وضع صك دولي ملزم قانوناً ينظم أنشطة الشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال. ومنذ إنشائه عقد الفريق العامل تسع دورات من أجل الوصول لهذا الصك كان أخرها الدورة التاسعة في الفترة من 23 إلى 27 أكتوبر 2023 وكان من المفترض الدورة العاشرة للفريق العامل في أكتوبر 2024. لكن أجلت إلى الفترة من 16 إلى 20 ديسمبر 2024 . ويهدف الصك أو المعاهدة المحتملة التي تنظم أنشطة الشركات عبر الوطنية إلى حماية حقوق الإنسان، والتخفيف من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الشركات، وضمان وصول الضحايا إلى العدالة وحصولهم على الجبر والتعويض نتيجة الضرر الذي لحق بهم نتيجة أنشطة الشركات عبر الوطنية، كما يهدف الصك إلى تعزيز التعاون الدولي.
وفي حين أن الشركات عبر الوطنية لديها القدرة على تعزيز حقوق الإنسان والارتقاء بها بشكل إيجابي فإن ممارستها يمكن أن تكون على النقيض تماما. لذلك فإن اعتماد صك ملزم قانونا ينظم أنشطة الشركات من شأنه أن يحقق نوع من التوازن الذي يضفي مزيد من الإنصاف للضحايا. ومن خلال مراجعة الدورات التسعة التي عقدها الفريق العامل نجد إنه اتفق على نطاق واسع إن الصك القانوني يجب أن يكون مٌكمل للمبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان المعتمدة في عام 2011 خاصة إن هذه المبادئ التوجيهية تدعو الدول إلى النظر فيما يعرف بمزيج ذكي من التدابير الوطنية والدولية، سواء الإلزامية أو الطوعية من اجل تعزيز احترام الأعمال التجارية لحقوق الإنسان. والفرصة مهيئة قبل عقد المنتدى الثالث عشر للأعمال التجارية وحقوق الإنسان في الفترة من 25 إلى 27 نوفمبر 2024 الذي يركز على جملة أمور من بينها الممارسات الجيدة لما يعرف بالمزيج الذكي لذلك ارتأت مؤسسة ماعت أن تدعو جميع أصحاب المصلحة من أجل الدفع نحو إنشاء هذا الصك الملزم قانونا والذي ينظم أنشطة الشركات عبر الوطنية كنوع من المزيج الذكي. وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان قد اعترف أيضاً بأن جهود الفريق العامل تكمل المبادئ التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان وتندرج في إطار المزيج الذكي من التدابير المطلوبة من أجل تعزيز احترام الشركات لحقوق الإنسان. فقد خلقت المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان فهمًا مشتركًا لواجبات الحكومات ومسؤوليات الشركات من خلال الإطار المكون من ثلاثة ركائز. والركائز الثلاثة هم: الحماية؛ والمقصود بها واجب الدول في حماية مواطنيها من انتهاكات الشركات التجارية؛ والاحترام؛ والمقصود به مسؤولية الشركات عن احترام حقوق الإنسان من خلال مبدأ العناية الواجبة بحقوق الإنسان وأخيرا الانتصاف بمعني الحاجة إلى الوصول إلى سبل انتصاف فعالة للأشخاص التي تنٌتهك حقوقهم، من خلال آليات التظلم القضائية وغير القضائية.
تنشر ماعت هذه الدراسة على هامش الدورة الثالثة عشر لمنتدى الأمم المتحدة الثالث عشر المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وبعد مرور عشر سنوات على إنشاء الفريق العامل المعني بوضع صك دولي ملزم قانونا ينظم أنشطة الشركات عبر الوطنية. وقبل انعقاد الدورة العاشرة لفريق العمل الحكومي الدولي المفتوح العضوية التابع للأمم المتحدة المعني بالشركات عبر الوطنية ومؤسسات الأعمال التي تنعقد في الفترة من 16 إلى 20 ديسمبر 2024 في جنيف للتفاوض على أحدث مسودة محدثة لهذه المعاهدة الملزمة قانونا وقد نشرت هذه المسودة في نهاية يوليو 2023 وثمة اقتراحات لحقت بها ستكون محل نقاش أيضا. وتعمل هذه الدراسة على توضيح التطورات الأخيرة لإنشاء الصك الدولي، كما تُقدم تحليل إحصائي للمسودة الذي سيجري التفاوض بشأنها، وتقييم الاختلافات بين الدول والتي تعطل الدفع نحو إقرار الصك وتحديد طبيعة الدور الذي يمكن أن يمارسه المجتمع المدني للدفع نحو الوصول إلى المعاهدة المحتملة. كما تخصص الدراسة الجزء الأخير منها لمشاركة دول شمال أفريقيا في المفاوضات الرامية لإنشاء الصك الدولي. لكن لن تتطرق الدراسة للتعليق على المسودة والتغييرات التي تقترحها على المواد فنيا نظرا لإن ذلك ستخصص له مؤسسة ماعت دراسة تقييمية منٌفصلة. ولأغراض الدراسة فإن المقصود بدول شمال أفريقيا هم (مصر، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، السودان). يبقي القول أخيرا إن المتوخي من هذه الدراسة هو تحريك المياه الراكدة في المفاوضات المتعلقة بإنشاء الصك الدولي في ظل الخلافات الحالية بين الدول.
shortlink: https://maatpeace.org/ar/?p=43883