خدعوك فقالوا إنه إضراب – شباب 6 أبريل وقود لمعركة الخاسر فيها هو الوطن

خدعوك فقالوا إنه إضراب 

شباب 6 أبريل وقود لمعركة الخاسر فيها هو الوطن

عندما يسيطر الضباب على سماء الأحداث ويفرض اللون الرمادي سطوته لابد أن تضيع الحقيقة ويتوه الصواب وتختلط الأوراق فلا تميز أعيننا   بين الجاني والضحية ، وتعجز أذاننا عن التفرقة بين دعوات ترجو وجه الله والوطن وأخرى  ترجو وجه الشيطان الذي يحرك الأحداث من خلف الستار .
شيء من هذا يحدث على الساحة المصرية الآن فيما يعرف إعلاميا بإضراب 6 أبريل ، وقد شهدت السنوات الأخيرة  تنامي حركة الاحتجاج بأنواعه المختلفة بين قطاعات عريضة من أبناء الشعب المصري، تلك الحركة التي تشعلها الضغوط الاقتصادية والاجتماعية ، وتستفيد من حالة الحراك السياسي النسبي التي تشهدها مصر في السنوات الأربع الأخيرة وتحديدا منذ التعديلات الدستورية في 2005 .
وبالتالي فقد شهدت مصر عدد هائل من المظاهرات السلمية  والوقفات الاحتجاجية  والاعتصامات والإضرابات منذ هذا التاريخ وربما قبله بفترة قليلة ، وكان لمعظم هذه الأحداث الاحتجاجية وجاهتها وموضوعيتها حيث كانت تنادي  بمطالب فئوية محددة ومشروعة مثلما حدث عندما اعتصم عشرة ألاف موظف في الضرائب العقارية مطالبين بالمساواة مع زملائهم التابعين لوزارة المالية ، وكذلك اعتصام عمال غزل المحلة مطالبين بنصيبهم في أرباح الشركة ، ومظاهرات مدرسي التربية والتعليم وإضراب أساتذة الجماعات  للمطالبة بتحسين أوضاعهم المادية ، وأيضا اعتصام الصحفيين للمطالبة ببدل التكنولوجيا الخاص بهم والذي تأخر صرفه .
كما شهدت مصر عدد من التظاهرات السلمية التي تطالب بالإصلاح السياسي أو تندد بالأوضاع الخارجية التي تمس الأمن القومي المصري كما حدث أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة الذي فجر شرارة الغضب في الشارع المصري فخرجت المسيرات والمظاهرات التي تقودها القوى الشعبية والنقابية والتنظيمات السياسية والأحزاب للمطالبة بنصرة غزة ومقاطعة إسرائيل .
وكل هذه الأحداث وغيرها لا يمكن أن نعتبرها خروجا على قواعد السلم والأمن المجتمعي أو اختراقا للقانون  ،بل هي من قبيل الحقوق التي تقرها المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان وتحاسب الدول والحكومات التي تعمل على قمع هذه الأشكال الاحتجاجية السلمية .
ولكن هل إضراب 6 أبريل القادم  ينطبق عليه نفس التوصيف ؟ وهل يعتبر من قبيل أشكال الاحتجاج السلمي التي تقرها وتحميها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ؟
والتساؤل التالي من الذي يقف وراء إضراب 6 أبريل ؟ و مع تسليمنا بحسن نوايا وبراءة  الشباب الذي يستخدم شبكة المعلومات الدولية في نقل الدعوة للإضراب هل هؤلاء الشباب هم المحرك الرئيسي للأحداث ؟ أم أنهم وقود لمعركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل ؟  ويدفعون ثمن صراعات سياسية وتوازنات إقليمية ويستخدمون كورقة ضغط على القرار السياسي المصري
كل هذه التساؤلات ربما نجد إجاباتها في الورقة الحالية ،وربما تبقى معلقة إلى حين إضراب آخر .
الإضراب : المفهوم والأنواع
يقصد بالإضراب الامتناع الجماعي المؤقت عن العمل الواجب على المضربين بمقتضى العقود المبرمة مع رب العمل أو التزاماتهم تجاهه والذي يحدث نتيجة لوجود خلافات بين الطرفين وبنية الرجوع إلى العمل بعد حسم الخلافات.
ولذا فإن خصائص الإضراب هي :
  • امتناع جماعي عن العمل
  • بصورة مؤقتة يتم الرجوع عنه بعد زوال الأسباب .
  • القصد من هذا الامتناع تشكيل ضغط على رب العمل لتحقيق مطالب المضربين .
يختلف الإضراب من حيث النوعية فإما أن يكون علنيا بامتناع العمال عن العمل بشكل كلي أو باطنيا من خلال التباطؤ في العمل رغم استمراره ،ويختلف من حيث الكيفية فإما أن يكون اعتياديا يتمثل بالامتناع عن العمل فقط وقد يصاحبه اعتصام في موقع العمل.
ويختلف من حيث المدى فقد يكون إضرابا عاما وشاملا لجميع العاملين في أنحاء البلد وعادة ما تقوم النقابات بمثل هذه الإضرابات أو جزئياً لفئة محددة أو منشأة معينة ويحصل جزء محدد من العاملين وقد يكون الإضراب مؤقتاً بمدة محددة قصيرة أو طويلة أو يكون مفتوحا لحين تحقيق مطالب المضربين.
ويختلف الإضراب من حيث الباعث فقد يكون مهنيا للمطالبة ببعض الحقوق المهنية كزيادة الأجور أو تقليل ساعات العمل وقد يكون الباعث اقتصاديا وفي هذه الحالة يكون الإضراب شاملا لقطاعات واسعة احتجاجا على إجراءات الدولة كفرض الضرائب أو اعتماد سياسة اقتصادية معينة تضر بالمجتمع. وقد يكون الإضراب للتضامن مع فئة أخرى من المضربين دعما لهم وقد يكون الإضراب سياسيا ردا على موقف معين من الدولة في المواقف السياسية أو لتلبية بعض المطالب السياسية.
وتنتهي الإضرابات بواحدة من ثلاث نتائج فإما أن يكون الإضراب ناجحا عند الاستجابة لمطالب المضربين أو يكون فاشلا عندما  لا تتم الاستجابة لمطالبهم وإنهاء الإضراب وقد يكون نسبي  النجاح بالوصول إلى صيغة ترضي الطرفين ، وتترتب على الإضرابات آثار اقتصادية واجتماعية وقانونية حسب سعة الإضراب وحدته والقطاعات التي يشملها.
ويتضح لنا هنا أن الإضراب حق مكفول لاعتبارات مهنية ونقابية في المقام الأول و مرتبط بتحقيق مطالب معينة في هذا الإطار ولا يجب أن يتعدى ذلك ليصبح عصيانا مدنيا عاما .
الإضراب في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان
مر الاهتمام الدولي بقضية حقوق الإنسان عامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية خاصة بمراحل بدأت فعلياً علي صعيد العمل الدولي الحديث بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 والذي نص على  عدداً من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كمبادئ عامة ، وأتي العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية عام 1966 لينص أيضا على بعض الحقوق المتعلقة بالتنظيمات النقابية  مثل حق الأفراد في تكوين النقابات والانضمام إليها ، وكان العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأكثر اهتماما والأوضح نصا على مسألة تشكيل النقابات وأسسه والحقوق الواجبة للعمال والنقابات
تتعدد أهداف إقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما بين  تحقيق العدالة الاجتماعية ، والتأمين ضد المرض والفقر والعجز عن العمل ، والتخلص من البطالة، وتهيئة فرص العمل اللائق للأفراد ، ورغم ذلك فإن الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية  من الناحية القانونية والعملية كان متأخرا مقارنة  بالاهتمام الذي نالته الحقوق السياسية والمدنية  رغم أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي التي تعطي للحقوق السياسية والمدنية مضمونها ومحتواها .
و تعرف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بأنها  مجموعة من الحقوق التي تخول للأفراد الحق في الحصول على خدمات أساسية من الدولة باعتبارها الجماعة السياسية التي يعيشون في كنفها، وهي تمثل الجيل الثاني من الحقوق، وتوصف أيضا بالإيجابية لأنها تركز على ضرورة بذل الجهد لتخليص الإنسان مما يعانيه من أحوال اقتصادية واجتماعية صعبة تمييزا لها  عن الحقوق والحريات السياسية والمدنية التي توصف بالسلبية، باعتبار أنها لا ترتب على الدول سوى مجرد الامتناع عن وضع العقبات أو القيود التي تحول دون تحقيقها.
و تتمثل الحقوق الاقتصادية أساسا بحق كل مواطن في العمل في ظروف متساوية وحرية الانضمام في النقابات والحق في الإضراب,وتتمثل الحقوق الاجتماعية بحق كل مواطن بحد ادني من الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية وتوفير الحماية الاجتماعية,والحق في الرعاية الصحية والحق في الغذاء الكافي والحق في التامين الاجتماعي والحق المسكن والحق في المساعدة والحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة والحق في الخدمات,الحق في اللجوء للقضاء لطلب حقوقه المهضومة,وتتمثل الحقوق الثقافية بحق كل مواطن بالتعليم والثقافة,وتربية أبنائه تربية صحيحة.
وقد أورد العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر في عام 1966 على مجموعة من الضمانات الدولية المقررة لحماية وكفالة الحقوق والحريات التي تضمنها ، وقد أقرته الجمعية العامة واعتبر نافذا في منذ عام 1976 وهو من أهم وابرز المواثيق الدولية التي ضمنت حق الإضراب وحددت شروطه .
حيث تنص المادة الثامنة من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أنه  تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة ما يلي:
(أ) حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفى الانضمام إلى النقابة التي يختارها، دونما قيد سوى قواعد المنظمة المعنية، على قصد تعزيز مصالحه الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها. ولا يجوز إخضاع ممارسة هذا الحق لأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم،
(ب) حق النقابات في إنشاء اتحادات أو اتحادات حلافية قومية، وحق هذه الاتحادات في تكوين منظمات نقابية دولية أو الانضمام إليها،
(ج) حق النقابات في ممارسة نشاطها بحرية، دونما قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
(د) حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعنى.
وتشير هذه المادة إلى عدة أمور في منتهى الأهمية والخطورة ،وربما تكون مسئولة عن إحداث اللبس في أذهان الحقوقيين والسياسيين والنقابيين ، وأهم هذه الأمور ما يلي  :-
  • الإضراب لابد أن تتم الدعوة له وتنظيمه من خلال تشكيل نقابي شرعي .
  • الإضراب بهذه الصورة ليس إضرابا شاملا يوقف كل مظاهر الحياة في المجتمع ولكنه قطاعي تقوم به فئة معينة في وقت معين لتحقيق مطالب بعينها تهم الفئة الداعية والمنفذة للإضراب .
  • لا بد أن يتم في إطار القانون .
 الإضراب في التشريعات الأجنبية 
كانت الإضرابات في البداية تعتبر من وسائل عرقلة تحقيق الحرية الشخصية وتكدير الأمن العام  واستمر هذا الحال حتى منتصف القرن التاسع عشر الذي شهد نصفه الثاني الإقرار بمشروعية حق الإضراب كما في بريطانيا في عام 1875 م وفي فرنسا 1864 م وبلجيكا    1866 م وألمانيا 1869 م وايطاليا عام 1890 م وبالرغم من مشروعية حق الإضراب إلا أن هناك بعض القيود التي وضعت على ممارستهم هذا الحق أهمها إلزام المضربين بإخبار السلطات الرسمية قبل فترة مناسبة من الموعد المحدد للإضراب وحرمت بعض التشريعات الإضراب في قطاعات محددة ترى أنها تؤثر على الخدمات العامة أو الأمن القومي وحرمت البعض الأخر من التشريعات الإضرابات في أوقات محددة كالحروب والأزمات.
ومن هنا ندرك أهمية مراعاة المصلحة العامة عند الدعوة للإضرابات وتنظيمها وعدم تعمد إحداث خلل كبير في المنظومة المجتمعية ، وهو ما تنبهت إليه تشريعات الدول المتقدمة منذ قرن ونصف من الزمان وما أقرته مواثيق وعهود حقوق الإنسان الدولية بعد ذلك .
الإضراب في التشريع المصري
نص الدستور المصري لعام 1971 في الباب الأول منه على مجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت عنوان المقومات الأساسية للمجتمع اجتماعيا واقتصاديا.
وقد نص الدستور في مادته ( 54) أنه للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحا ودون إخطار مسبق ، ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة ، وأن الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون .
ثم جاء قانون العمل المصري الموحد  رقم 12 لسنة 2003 واضعا شروطاً محددة للإضراب ، فوفقاً لنص المادة ( 192) للعمال حق الإضراب السلمي وتكون ممارسته لمنظماتهم النقابية دفاعا عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية وذلك في الحدود وطبقا للضوابط والإجراءات المقررة في القانون ، وفي حالة عزم عمال المنشأة ذات اللجنة النقابية علي الإضراب في الأحوال التي يجيزها هذا القانون ، يجب علي اللجنة النقابية – بعد موافقة مجلس إدارة النقابة العامة المعنية بأغلبية ثلثي عدد أعضائه – إخطار كل من صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة قبل التاريخ المحدد للإضراب بخمسة عشر يوما علي الأقل وذلك بكتاب مسجل بعلم الوصول ، كما يجب علي النقابة العامة بعد موافقة أغلبية مجلس إدارتها الإخطار المسبق بالإضراب علي أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب والمدة الزمنية المحددة له.
إضافة لنص المادة ( 194 ) التي تحظر الإضراب أو الدعوة إليه في المنشآت الإستراتيجية التي يترتب علي توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي وبالخدمات التي تقدمها وكذلك المنشآت الحيوية التي يؤدي الإضراب فيها إلي اضطراب في الحياة اليومية لجمهور المواطنين علما بأن ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتحديد هذه المنشآت . وقد صدر عام 2003 قرار رئيس الوزراء رقم 1185 بشأن تحديد المنشآت الحيوية الإستراتيجية التي يحذر فيها الإضراب عن العمل وقررت المادة الأولي منها انه يحذر الإضراب عن العمل أو الدعوة إليه في المنشآت الحيوية أو الإستراتيجية التي توقف العمل إلي إضراب الحياة اليومية لجمهور المواطنين أو غياب الأمن القومي والخدمات الأساسية وتعتبر من قبيل هذه المنشآت ما يلي :
( منشأت الأمن القومي والإنتاج الحربي – المستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات – المخابز – وسائل النقل الجماعي للركاب – وسائل نقل البضائع – منشأت الدفاع المدني – منشأت مياه الشرب والكهرباء و الغاز والصرف الصحي- منشآت الاتصالات – العاملون في المؤسسات التعليمية )
وفي المادة (195 ) جاء أنه يترتب علي الإضراب وقف عقد العمل خلال فترة الإضراب وعدم استحقاق الأجر.
وينص قانون العقوبات المصري في مادته 124 على  أنه إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو في صوره الاستقالة أو امتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك عوقب كل منهم بالحبس مده لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنه وبغرامه لا تزبد على مائه جنيه,
ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شانه أن يجعل حياه الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر ,أو كان من شانه أن يحدث اضطرابا أو فتنة بين الناس أو اضر بمصلحه عامه,
وكل موظف أو مستخدم عمومي ترك عمله أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته بقصد عرقله سير العمل أو الإخلال بانتظامه يعاقب بالحبس مده لا تجاوز ستة أشهر أو بغرامه لا تجاوز خمسمائة جنيه,ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شانه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر أو كان من شانه أن يحدث اضطرابا أو فتنه بين الناس أو إذا اضر بصلحه عامه,
ويقرر فقهاء القانون أن هذه المادة قد نسخت بتصديق مصر على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يبيح حق الإضراب عن العمل
 حركة الإضرابات في مصر : رؤية  تاريخية
يرجع الحق في الإضراب إلى زمن الفراعنة في مصر وروما القديمة منذ عام 943 ق.وذلك عندما ثار عمال مدينة في البر الغربي للأقصر بعد أن تأخرت الأجور العينية التي يتقاضونها. وبعد هذا التاريخ بحوالي ثلاثة ألاف عام و خلال حفر قناة السويس أضرب 5 آلاف عامل رفضوا العمل وأعلنوا العصيان وهو أول عصيان عمالي في مصر الحديثة أوقع صداما قتل فيه عدد كبير من العمال وبعضهم مات بعد أن هرب في صحراء السويس.
وازدادت أهمية الحركة الاحتجاجية في العصور الأخيرة بعد التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتضاعف أعداد السكان وزيادة المشاكل والخلافات بين العمال وأصحاب العمل سواء الخاص أو الحكومي وغلاء المعيشة وزيادة معدلات التضخم وتفشي البطالة  وسوف نستعرض هنا  أشهر الإضرابات في السنوات الأخيرة .
1- إضراب عمال السكة الحديد عام 1986 :  أوقف العمال القطارات لحين تحقيق مطالبهم، وحينها أصدر القضاء حكما تاريخيا بتبرئة المتهمين، مؤكدا أنه من حق العمال ممارسة الإضراب حسب الاتفاقات الدولية التي تجب أي قانون محلى لأن مصر موقعة علي العهد الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وإعمالاً للاتجاه المعاصر في قوة القاعدة القانونية الدولية في مقابل القاعدة القانونية أو التشريعية المحلية.
2- إضراب عمال مصنع الحديد والصلب عام 1989، وكان سببه الأساسي فصل عضوين منتخبين من مجلس الإدارة، وتعامل النظام أمنيا مع الإضراب، حيث جرى اقتحام المصنع بمدرعات وقوات خاصة؛ مما أدى إلى مقتل عامل وإصابة 15 آخرين.
3- إضراب عمال الغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى  2006، حيث تظاهر 27 ألف عامل، ثم أضربوا يوم 7-12-2006، مطالبين بصرف الأرباح وفقا لقرار رئيس الوزراء رقم 467 لسنة 2006، ووقف “الفساد” بالشركة، وعزل رئيس مجلس إدارتها، وسحب الثقة من اللجنة النقابية. وحينئذ وصف المتابعون هذا الإضراب بالأكبر منذ 12 عاما.
4- إضراب غزل شبين الكوم يوم 4 فبراير 2007 ، حيث رفض العمال تسليم المصنع للمستثمر الهندي الذي اشتراه إلا بعد صرف أرباح 133 يوما، وصرف 45 يوما، وهي الأرباح التي قررها رئيس الوزراء  وانتهى الأمر بإصدار وزيرة القوى العاملة والهجرة عائشة عبد الهادي قرارا بصرف 45 يوما كمنحة و133 يوما كأرباح، واحتساب أيام الإضراب أيام عمل، ورفع بدل الوجبة الغذائية من 32 حتى 43 جنيها، وهو ما مثل انتصارا للإضراب الذي دام 10 أيام.
5- إضراب 6 إبريل 2008 قد بدأت الدعوة لما يسمى إضراب 6 ابريل بمجرد دعوة علي أحد مواقع الانترنت لإضراب عام ، وجاءت الدعوة لإضراب 6 ابريل تفعيلا للدعوة المنطلقة من مدينة المحلة الكبرى التي شهدت إضرابات و اعتصامات في العامين الماضيين ،  وأخذت تنتشر الدعوة بشكل مبالغ فيه عبر وسائط عديدة كالإنترنت والمدونات والهواتف المحمولة ، و مثل تحدياً كبيراً لدور مؤسسات التعبئة التقليدية كالأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية ، وفتح الباب أمام مراجعات وإعادة نظر في كيفية الاستفادة من التقنية التكنولوجية في دعم عمليات التعبئة الجماهيرية للتعبير عن المطالب المختلفة. وقد عمدت قوى عمالية وشعبية مصرية إلي استغلال الدعوة وتأيدها وتوسيعها احتجاجا على ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور وأزمة رغيف الخبز و طالب الداعين إلي إيجاد حلول جذرية للأزمات المتتالية علي مصر.
و قد حذرت الحكومة من عاقبة العصيان المدني مشاركة أو دعوة ، وبالفعل نشرت آلافا من عناصرها لإحباط هذا التحرك الشعبي الذي أريد له أن يكون عاما ومستمرا.
ويري الكثيرون  أن الدعوة فشلت تماما من زاويتين أساسيتين: أولهما أن قطاعات المواطنين لم تشارك في هذه الدعوة، ثانيا هناك قطاعات من المواطنين شعرت بالقلق و شعرت بالخوف نتيجة لغموض الدعوة وغموض وسائلها و غموض أهدافها وغموض أطرافها، كما أي من الأحزاب الكبرى في البلاد لم يشارك ولم يوافق على مثل هذه الدعوة ، لكن أيدتها جماعة الإخوان المسلمين.
ومن الواضح أن إضراب 6 أبريل الماضي يسمى إضراب تجاوزا لأن التوصيف الدقيق له أنه عصيان مدني .
6- إضراب الصيادلة  فبراير 2009  بعد تراجع وزارة المالية  ورئيس مصلحة الضرائب عن اتفاقية المحاسبة الضريبية مع الصيادلة والتي  تقضي بمحاسبة الصيدليات كمشروعاتٍ صغيرة، وتوفير دفاتر تحدد بدقة قيمة إيراداتها ومصروفاتها وصافي أرباحها، وهو ما اعتبره الصيادلة عدوانا على دخولهم وأرباحهم المشروعة ، فقامت النقابة العامة للصيادلة المصرية بالإعلان عن إضراب شامل و تشكيل لجان لإدارة اعتصام الصيادلة في جميع المحافظات ولجنة رئيسية للإشراف والمتابعة على الإضراب في جميع المحافظات وأن هذا الإضراب غير محدد بمدة وسيستمر حتى تتراجع وزارة المالية عن قرارها، علي أن يكون الاعتصام مفتوحا بالنقابة العامة والنقابات الفرعية، وأن يتم تشكيل لجان تأديبية لمن يخالف قرارات الجمعية العمومية.
استتبع ذلك قرار وزير الصحة بفتح جميع صيدليات الشركة المصرية للأدوية وصيدليات المستشفيات العامة والمركزية وصيدليات هيئة التأمين الصحي.
و قد شهدت معظم صيدليات مصر  تفاعلاً غير مسبوقٍ مع قرار الجمعية العمومية غير العادية لنقابة الصيادلة ووفق بعض الآراء وصلت نسبة الاستجابة إلى 98 بالمائة.
وبالطبع إضراب الصيادلة تتوافر فيه إلى حد بعيد أركان الإضراب الشرعي ، وإن كانت أثيرت أقاويل بشأن تعطيله لمرفق حيوي هو مرفق الصحة .
دعوة إضراب 6 أبريل الحقيقة والأكاذيب
جاءت الدعوة لهذا الإضراب في ذكرى الإضراب الماضي 6 أبريل 2008 ،عن طريق مجموعة أطلقت على نفسها ” شباب 6 أبريل ” وبحسب تصريحات الشباب وما جاء في دعوتهم للإضراب ، فإن الإضراب سيتضمن مظاهرات واحتجاجات سلمية في الميادين الرئيسية بالمحافظات وأمام مقار الحزب الوطني واتحاد نقابات عمال مصر ونقابة الصحفيين بوسط القاهرة، إضافة إلى الجامعات والمصانع والنقابات التي لها مطالب فئوية لم تستجب الدولة لها، ولكل فئة أن تشارك بالوسيلة المناسبة لها بدءًا من الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات السلمية وصولا إلى الاحتجاج الرمزي والمؤتمرات وإصدار بيانات بالمطالب وارتداء ملابس سوداء .
ويحدد الداعين للإضراب  من خلاله مطالبهم  من الحكومة المصرية، وهي: “وضع حد أدنى للأجور لا يقل عن 1200 جنيه بما يضمن أن يحيا المواطن بكرامة ويشعر بالأمان على مستقبله ومستقبل أبنائه، وربط الأجور بالأسعار وضبط السوق ومنع الاحتكار، وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد يضمن الحريات السياسية والنقابية ويحدد فترة الرئاسة بمدتين على الأكثر”.
ويتضح لنا من خلال متابعة تحركات وتصريحات  مجموعة الشباب ومن خلال رصد ما جاء في دعوتهم وما يتوفر من مواد إعلامية بخوص هذا الشأن ومن خلال موقف الأطراف السياسية من الإضراب ما يلي :-
  • هناك مؤشرات كثيرة على أن هناك من يقف وراء الإضراب ويستغل حماس الشباب في هذا الأمر بغض النظر عن نوايا وأغراض الجهة أو التنظيم الذي يقف وراء الإضراب وبغض النظر عن مدى ارتباطه بأجندة داخلة أو خارجية.
  • الدعوة ليست لإضراب مشروع بل لعصيان مدني وهناك فارق كبير بين الاثنين .
  • الدعوة تعد تعطيلا لمصالح المواطنين وقد تؤدي لعرقلة سير الحياة اليومية للناس .
  • لا يوجد تنظيم نقابي خلف الإضراب ولا توجد مطالب فئوية محددة .
  • الدعوة للإضراب تمت خارج إطار القانون .
وكل هذه الأسباب كفيلة بإبعاد الأمر عن دائرة اختصاص المادة الثامنة في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية  التي توفر الحماية للإضراب كشكل من أشكال الاحتجاج .
ومن هنا فإننا في ماعت  – وبحكم توجهاتنا الحقوقية – فإننا ننحاز إلى الحق في حرية التعبير عن الرأي وفي حرية التظاهر السلمي وحرية الإضراب التي تكفلها المواثيق الدولية ، ولكننا ضد أن يمارس ذلك بعيدا عن نصوص هذه المواثيق وخارج إطار القانون ، وضد أن تسمى الأمور بغير مسمياتها بغرض كسب التعاطف الشعبي والحصول على أرباح سياسية أو تصفية حسابات إقليمية .
كما نري أن هناك إشكالية لابد من حسمها ألا وهي مدي تغلغل الثقافة الديمقراطية والسلمية داخل المجتمع ، ومدي وعي المواطنين بطرفي المعادلة الطرف الأول هو المتمثل في مجموعة الواجبات المختلفة التي يكفلها القانون والدستور والمواثيق والأعراف الدولية لهم ، والطرف الثاني متمثل في مجموعة الواجبات التي يستلزم علي المواطن القيام بها في سبيل ضبط السلوك للجميع ، وتحقيق مقولة إعطاء كل ذي حق  حقه.
وأخيرا فإن ماعت يطالب الحكومة بضرورة أخذ قضية التنمية على محمل الجد ووضع إستراتيجية منهجية لتحقيق العدالة الاجتماعية بأبعادها ومكوناتها المختلفة  حتى يسود السلام المجتمعي وتنقشع غمامة الغموض والالتباس ، ونستطيع الخروج من المساحة الرمادية .

مواضيع

شارك !

أضيف مؤخراً

محتوى ذو صلة

القائمة
arالعربية